Wednesday, September 9, 2009

بلا نهايه



احتضنت كوب الحليب بين كفيها وهى شاخصه بنظرها للأفق البعيد حين تتلامس صفحة البحر بالسماء وتغيب بين تلامسهما الشمس المحتقنه كقلبها حين يتذكر ما قد مر به منذ إن كانت فى الثامنه عشرة من عمرها حين امتلئتها الفرحة عندما سمعت أول كلمة "أُحبك" من فتى يافع يكبرها ببضعة سنوات كان ذا طلة بهية ممشوق القوام رياضى البنيه ، أحبها ملء قلبه وجوانحه وهى أحبته لحبه لها . لم تكن تدرك بعد أنها ستكون هكذا دئما.


كانت تلك أول قصة حب لها كانت كل معطيات هذه القصه تشى بنجاح رائع للعلاقه ، فهو يحبها ويغار عليها حتى من نفسه يدللها كأنها الزهرة الوحيدة ببستانه ، لم يكن هناك ما يعيق أن يتم هذا الحب بالفستان الابيض ، إلا أنها شعرت لوهلة أنها ضاقت بالدلال وضاقت أيضاً بالغيرة المفرصة فهربت منه تماماً غابت عن سمائه ومهما حاول استعادتها لم يكن ليفلح ، فما كان له أن يفهم إنها حين تطوى صفحة احدهم لا تعود إليها مطلقاً.


نعم طوت صفحة أول حب لها كانت ترى إنها مازالت ينتظرها الكثير على أن تسكن داخل القفص الذهبى منذ لآن . فهناك الكثير لتقابله وتراه وتختبره وهذا كله ما كان ليحدث لو سارت على الخطوات المنطقية لقصتها تلك.

وعلى مر السنين اكتشفت فى نفسها شيئاً غريباً لم تكن تدركه من قبل أن لها تأثير على من حولها فحين تنظر فى عين أحدهم ترى أ،ه يراها وفقط وكم كان هذا الإحساس رائعاً بحيث سيطر عليها فأصبحت تعشق أن يدور أُناس فى فلكها يُغرقونها بأهتمامهم


وهى لا تمنح ولا تمنع فكلهم متساوون عندها فهم مجرد حاشية توجد فقط لراعيتها وهذا كله دون أن تسئ لنفسها أو لهم . فهى فقط تعاملهم بشكل جيد و ليس بيديها حيلة إن كانت لها تأثير شديد الوطئة فى قلوبهم . وإن شعرت أن أحدهم على وشك أ، ينطق "أحبك" وهى الكلمه المحظوره لديها كانت توقفه سريعاً ليطء أرض أ، لا حب عندها دون قسوة او تجريح ، فيستكين ويرضى بلعب دور الصديق المخلص فقط، ومن يتمرد ويطلب المزِيد فينفى خارج مجرتها دون حتى أ، تتذكر كيف كانت هيئته.


استقرت فى هذا لفتره طويله .. تكون محبوبة الجميع دون أن تخص أى من الجميع بحبها وما أسعدها فى هذا وخاصة و أنها بدأت تحقق نجاحتها فى مجال العمل فى شركة الاتصالات تلك وما كادت أن تشعر إن كل ما تمنته يتحقق وأنه من الطمع أن تطلب المزيد حتى اكتشفت أن هذا كله لم يكن إلا قصور رمليه بنتها فى خيالها ذابت مع أول موجة مد حقيقيه تغزو شاطئها .


حين قابلت ذلك المهندس العبقرى الذى يعمل معها فى نفس الشركه و الذى لا يكاد يرها لا هى ولا غيرها . فهو دائم الانشغال لا يلقى بالاً إلا لذك الحاسب المحمول الخاص به و الذى يحمله بين يديه وكأنه طفله المدلل يصطحبه فى كل مكان ولا يكاد يفترق عنه إلا حين يغالبه النوم فعبر شاشته المضيئه يبدء و ينتهى عالمه الخاص به والوحيد الذى يعرفه فأعماله لا تنتهى وطموحاته تلامس النجوم ولعل هذا كله دون تحديد تفصيله معيتة هو ما جذبها له منذ البدايه.

فهو مختلف عن كل ما عرفته فى حياتها والأغرب إنه الوحيد الذى يزيد نبضات قلبها كلما تحدث إليها دون أن يدرك ذلك.

تقرر أن يعملا معاً على مشروع جديد للشركه تختص هى بالنواحى الإداريه بالتَنسيق معه فيما يختص بالنواحى الفنيه ، فزاد الوقت بينهما فى الحديث كأنه يعرفها منذ زمن دون تكلف أو تصنع وزاد هذا من تقاربهما فبدأت تنشأ صداقة ذات شعور طيب ، فلا تكاد أحاديثهم تنقطع .


بمرور الوقت بدأت تشعر بخطر او تهديد لكيانها بشكل أو باخر فهى تختبر معه مشاعر لا تعرف بماذا تسميها وكأنها لأول مره تتعرف على قلبها . فهى لم تكن لتعرف أن هذا المهندس العبقرى كان ليفتح بستان قلبها بخطوطه المتقاطعه ومعادلاته الرياضيه.


هو يشعر بأنها المطر الذى يذيب صلابة وجمود حياته كأنها يد جنونه ترتب على قلبه الزجاجى فينبض حياة ، فتقوده لدنيا لم يرها . فهو لم يكنابدا بارعا فى العلاقات الاجتماعيه فبألإضافه لأنهوحيد والديه ، لم يكن له صديق مقرب غير حاسبه المحمول . لكنها أتت لتكسو حياته الرماديه اللون بأزهى الالوان ، فيرى الدنيا بعيونها ، ويصغى لأحديثها العفويه بتأثر شديد ، ويزداد تأثر حين لا يشعر بسئمها من حديثه العلمى المطول عن انبهاره بحدث ما أو اكتشاف فريد ، بل تشاركه الحماسه التى يفيض بها حديثه دون ملل .


ورغم كل هذه الروعة بينهما و التى أثرت بشكل جيد على عملهما والذى استمر لشهور ، فالمشروع الذى عملا فيه لقى استحسان و إعجاب رؤسائهما بشكل كبير ، لكنه فى النهايه انتهى.


كان رنين كلمت انتهى المشروع ذو وطئة شديده بداخل كل منهما فمعنى هذا أن كل منهما سيعود للعمل الذى اعتاده من قبل وأن الوقت الذى يجمعهما سيقل حتى يكاد ينعدم فهما يعلمان جيدا أن العمل هنا لا ينتهى ولا يعطى مساحه للحديث .

مر أول أسبوع ثقيلا فمالا يكادا يتبدلان التحيه فى المصعد حتى يغرقا فى دوامة العمل حتى انتهاء يومهما ويعود كل منهما لمنزله وحيداً تعتصره الأفكار ويؤلمه قلبه دون أن يدرى أى منهما ما الذى يجب فعله .


ضاقت مشاعرها بها حتى فاضت وهذا الإنسان المتوازى الأمن الواضح أنه لن ينطق الكلم’ السحرية التى تنتظرها ابدا هكذا كانت تفكر وهى تنصت لحديثه وعلى وجهها ابتسامة ام لطفلها الذى يروى شيئاً بحماسه شديده حتى و إن لم تكن تفهم عما يتحدث.


كان هذا حين اجتمعا عندما حدث عطل فنى أدىإلى إنقطاع الكهرباء فأصيبت الشركه بالشلل وراح موظفوهايتحدثون فيما بينهم دون العمل ، ورغم أن هذا العطل لا يؤثر على عمله فحاسبه يعمل بالبطاريه إلا أنه وجد نفسه يذهب ليحدثها متحججا بأن الكل لا يعمل والحقيقه أنه كان يشتاق لتواجدها فى محيطه فراح يتحدث دون انقطاع عن أشياء متباعدة عما يدور بذهنه طوال الاسبوع المنقضى فهو لا يحتمل غيابها عنه و إن كان لا يسعه الحيلولة دون ذلك فهو يريدها و فقط . دون أن يدرك كيف .. أو ... لماذا ؟


كانت لا تزال تشاهد حديثه وكأنه خلف حاجز زجاجى فضيقها بحبها له دون أن يصرح هو بما يدور بفكره استحوز على تركيزها فبدون أن تدرى وجدت شفتيها تنطقها " أُحبك" وقبل ان تنتهى من خروج أخر حرف فى تلك الكلمه حتى أفاقت على هول ما صدر عنها لم تصدق إنها قالتها بصوت مسموع . رجت بداخلها أن يكون هذا مجرد خيال لكن تلك النظره التى رأتها فى عيون أكدت لها أنها قالتها بشكل مسموع جيداً حتى تتسع عيناه بهذا الشكل .


وكأنه لأول مره يكتشف أن فى قاموس اللغة التى يستخدمها هذه الكلمة .


توقف الزمن من حولهما للحظات وحاول أن يتحدث لكن قدرته على إخراج كلمة صحيحة قد تلاشت بإضطراب ما بداخله ، وهى لم تشأ لتتركه فى هذا الاضطراب فأحلت الصمت بينهما باشاره من إصبعها على شفتيها وانسحبت بهدوء من أمامه لتغق باب مكتبها على نفسها .


اطلقة العنان لبركان غضبها ودموعها التى فاضت تلعن غباءها فى التحدث بصوت مرتفع عما يجول بخاطرها .صبت اللعنات على نفسها فهى للتو قد فقدت بفعلتها قصة الحب الحقيقيه الوحيدة بحياتها . فمهما كان مثقفاً و عملياً و متعلناً فهو شرقى الطباع فى النهايه .فكم قصة حب نجحت بقول الفتاه لكلمة الحب الاولى ؟ ليس هناك مثل هذا.


هو لا يدرى ما يدور حوله و كأنه يسبح فى الفضاء الخارجى بعيداً عن كل ما يعرفه أو يمكنه إدراكه .فكلمتها وضعته أمام الحقيقه الكامله لما يدور فى قلبه الذى بدأ ينبض بالحياه فقط منذ أن دخلت هى إلى عالمه .


مر يومالعمل هذا ثقيلاً لا يكاد أن ينتهى وكل منهما يتحاشى النظر حتى لباب مكتب الآخر ، وقبل أن ينتهى العمل أخيراً قررت أن تتقدم بطلب إجازه لليومين القادمين وكانا أخر يومان فى نهاية أسبوع العمل يتبعهما الاجازه الاسبوعية . وافق رئيسها على الطلب بعد أن رأى هذا الشحوب الذى يكسو وجهها وكأنها تُبعث من موت.


انتظرت حتى رحل الجميع حتى لا تدع مجال ان يصادفها فى طريقها للخروج .اوقفت اول سيارة اجره وجدتها وطلبت من السائق ان يوصلها لمحطة القطار وفى طريقها لهناك هاتفت امها لتخبرها انها ستقضى الايام القادمه فى شقتهم بالاسكندريه وانها ستكون مشغوله فى انجاز اعمال للشركه كى لا تقلق عليها إن لم تحادثها كثيرا ثم انهت حديثها سريعا فهى تعلم قدرة امها الفائقه فى ان تكتشف بان هناك خطب ما اصبها قلم تشاء ان تجعلها تسئلها عما بها فتنكر.


اغمضت عينيها منذ ان تحرك القطار دون ان تغفو و لو للحظه فنهر الاسئله الذى يشق طريقه فى وجدانها دون ان يجد له مصب لم يكن ليدعها تغفو فتلوم نفسها بقسوة تدمى قلبها الذى لا يزال بكراً فى حبه.


هو ..يتذكر كل ما حدث بينهما بالتفصيل .. ملامحها الحنونه التى طالما اطمئن قلبه الصغير برؤيتها ، فيا فرحته بان هذه الرائعه تحبه و هوالذى لا يذكر انه تصور ولا فى اجمل احلامه ان يكون له قصة حب ، وماله لا يحبها فلو كان بيده ان يقوم بتفصيل فتاة احلامه لن تكون اجمل مما عليه هى .

تملكته السعاده وغمرته الحماسه بان يكون على قدر هذا الحب من مسؤليه ، فأعد كل الكلمات الرقيقه التى سيلقيها على مسامعها حتى تقبل به ليكون شريكها الدائم ولينعم بهذا الحب ما بقى له من العمر.

فى الصباح تأنق وذهب للشركه وقدماه لا تكاد تطء الارض من السعاده وما ان دخل مكتبها حتى شعر بتلكه الوحشه التى تغمر المكان فى غير وجودها وحين سئل عنها علم بأجاذاتها وغرق فى ذهوله فلما ألان ؟ ولما تهرب وهذا ليس من طبعها ؟ ترها تراجعت عما قالت؟ كيف له ان يتصرف الان ؟ ما الذى يجب ان يفعله؟

ولوهله شعر انها لم تذهب فقط بل انها رحلت وخلفته ورائها غارق دون نجاه ، مر يومه غريبا فهو فقد شعوره حتى بنفسه فهى لم تعلمه بعد كيف يتصرف فى مثل هذا الموقف وكيف لها لا تفعل وهى معلمته فى الحياه التى عرفها فقط بعيونها!!!!


تشابهت الايام الثلاثه التى انقضت فهى لم تتحرك من منزلها لم ترى عيونها غير صفحة البحر و السماء ، بالطبع لم ينقطع رنين هاتفها فإن لم تكن امها تطمئن عليها فحاشيتها تطمئن على ملكتهم التى اهملتهم لفتره ليست بالقصيره وهى لم ترد على اى منهم حتى امها كانت تبعث لها رسائل فقط لتطمئنها عليها.


انتظار تلك الايام لتنقضى كان اقسى مما تخيله فما كان له ان يصبر اكثر من ذلك فتقصى و علم مكانها وقرر ان يذهب لها . وهو جالس فى القطار ينتظر ان يصل الى عروس البحر اخذه الخيال الى اروع قصص الحب خيالا فرأى نفسه فارساً ذاهب لمحبوبته ليغمرها بحبه.


بعد ليالى لم تدفئها فيها غير دموعها التى لم تنقطع دون بكاء فيكفى ان تغمض عينيها فترى ملامحه الحبيبه حتى تذوب بين دموع قلبها الصامت وعقلها الصارخ فيها بانها ليس لها ان تتخلى عن كل ما حققته فى حياتها من اجل قصة هى من قام بافسادها بحمقتها وتسرعها ، فهى إن طاوعت هذا القابع بين ضلوعها لن ترى غير الحيره فالكلمه التى نطقتها اولا ستظل قائمه بينهما ولن ينسها لها ابدا وستكون متحفذه متى سيذكرها بها.

فى النهايه حزمت امرها سوف تطوى هذه الصفحه بالكامل و ستتابع حياتها وكأنها لم ترى هذا المهندس من قبل . لملمت اشيائها على عجل لتلحق بقطار الغروب لتعود لمنزلها ويكون امامها وقت للراحه قبل يوم العمل التالى و الذى سيكون الاصعب على الاطلاق.


ما كادت تصل الى باب المحطه حتى وجدته يخرج منها ليس من المعقول ان يكون هو فأمعنت النظر به كالبلهاء للتاكد ان ما تراه صحيح !!!!


وقع نظره على تلك الشاخصه به فكانت هى ..جميله كعادتها و إن كان الحزن يكسوها ويفيض من عينيها.


ماله سعيد لهذه الدرجه فكرت وهى تنظر اليه وهو يقترب منها وعيونه تلمع كمن وجد كنزه المفقود.


حين اقترب ليصافحها كانت افاقت من المفجاءه ... فبدت له عيونها ليس كما اعتادها فهى كما الزجاج لا يرى طلته بداخلها وكأنها تلتقى بغريب عنها......